تداعيات قرار تحويل الأقضية الى محافظات
رائد الهاشمي
رئيس تحرير مجلة نور الاقتصادية
رئيس تحرير تنفيذي مجلة معين للدراسات والبحوث
قرار مجلس الوزراء الذي صدر مؤخراً بتحويل بعض الأقضية الى محافظات(حلبجة وطوزخورماتو وتلعفر والفلوجة وسهل نينوى) والذي أثار جدلاً كبيراً بين الأوساط السياسية والعشائرية والقانونية والإعلامية وانقسم الناس بين مؤيد ورافض له، وأرى ان القرار جاء متسرعاً وبدون دراسة مفصلة من جميع جوانبه وانه يحمل بين طياته دوافع سياسية وانتخابية، والقرار خطير وتوقيته غير مناسب لأن البلد يعيش حالة من عدم  الاستقرار والصراعات السياسية والفرقة بين الشركاء والانتخابات على الأبواب وان فتح مثل هذا الباب وفي مثل هذا الوقت سيترتب عليه نتائج غير طيبة ستساهم في زيادة الفرقة وستفتح باباً من المطالبات الكثيرة من المحافظات بتحويل الأقضية الى محافظات جديدة خاصة تلك الأقضية التي يتوفر بها كثافة سكانية عالية وفعلاً بعد يوم أو يومين من نشر هذا القرار عبر وسائل الإعلام سارعت أقضية العزيزية والصويرة في واسط، والكوفة في النجف، وسنجار في نينوى، والتاجي ببغداد، وخانقين في ديالى، وسوق الشيوخ والرفاعي في الناصرية، والزبير والقرنة في البصرة الى المطالبة بتحويلها الى محافظات.
يرى المؤيدون للقرار أن تحويل الكثير من الأقضية إلى محافظات سيكون وحده الكفيل بمنع التقسيم والأقلمة ويكون رادعاً وعائقاً كبيراً أمام محاولات الأقلمة التي ينادي بها هذا وذاك لأن بعض المحافظات الجديدة سوف تكون عائقا من دون ذلك، أما الرافضين ومنهم الخبير القانوني القاضي وائل عبداللطيف يرى أن (مجلس الوزراء لا يملك الحق القانوني أو الدستوري في تحويل الأقضية إلى محافظات لا من حيث المبدأ مثلما ورد في القرار، ولا من حيث الجانب التنفيذي).
اذاً فمن الناحية القانونية فان أمر تحويل الناحية إلى قضاء والقضاء إلى محافظة يعود إلى مجالس المحافظات طبقاً للقانون رقم 21 لسنة 2008 كما أن المحافظات غير المنتظمة بإقليم يحددها قانون رقم 13 لسنة 2008 كما تحددها مواد الدستور العراقي (من المادة 116 إلى المادة 125)، وبالتالي فإنه لا علاقة للحكومة بها، وأن مسألة تحويل محافظة إلى إقليم تأخذ سياقاتها القانونية والدستورية من خلال المفوضية العليا للانتخابات وبتنظيم استفتاء لسكان القضاء، وبالتالي فإنه لا يمكن تحويل قضاء إلى محافظة مع غياب تشريع قانوني، المفروض ان مجلس الوزراء يتسلم مشروع القانون بعد استكمال هذه الاجراءات القانونية ويقوم بدوره بدراسته ومن بعدها يحيله إلى البرلمان للتصويت عليه ويتحول إلى قانون ملزم، حيث إن المبرر الأول من الناحية القانونية لتحويل قضاء إلى محافظة هو الكثافة السكانية وليس المساحة.
اضافة الى ذلك فان هذا القرار ستترتب عليه تأثيرات اقتصادية ونفقات عالية تثقل ميزانية الدولة لأن التخصيصات المالية التي ستمنح للمحافظات الجديدة ستكون كبيرة وذلك لاستكمال اجراءات ادارية كثيرة يستوجب استكمالها لتفعيل القرار فيجب استحداث مؤسسات حكومية كثيرة ودوائر فرعية وهذا يحتاج الى المليارات لانشاء البنايات والتأثيث والعجلات ورواتب الموظفين وغيرها من النفقات الكبيرة التي لامجال لتفصيلها في هذه السطور،وهناك أمر آخر بأن حلقات الفساد ستكبر وتزداد بزيادة الحلقات الادارية وجماهير القضاء في غنى عن ذلك لأن زيادة هذه الحلقات يعني زيادة عدد الأبواب المغلقة وزيادة الروتين بوجه المواطن.
ان التقسيمات الادارية في البلد كلما زاد عددها زادت التعقيدات الادارية وزادت صعوبة سيطرة الحكومة المركزية على وحداتها الادارية وهذا من نظم ادارات الدول المعروفة عالمياً ولو أخذنا مثلاً بسيطاً الصين باعتبارها أكبر دولة في العالم من ناحية الكثافة السكانية حيث بلغ عدد سكانها حوالي المليار وخمسمائة مليون نسمة وتحتوي على 32 منطقة ادارية رئيسية ،أفمن المعقول أن يكون بلداً مثل العراق لايتجاوز تعداده الثلاثون مليون نسمة ان تتجاوز عدد محافظاته العشرين محافظة وهي قابلة للزيادة حسب الأوضاع السياسية والانتخابية.
المطلوب إعادة النظر بهذا القرار ووضعه على طاولة الدراسة التفصيلية مرة أخرى ومن جميع جوانبه الادارية والقانونية والاقتصادية ويمكن الاستعانة بمستشارين مختصين في جميع هذه المجالات ويتم تثبيت كافة الأمور التفصيلية والتقاطعات أمام مجلس الوزراء ليتم اعادة دراسته بدقة مع دراسة نتائجه المتوقعة بعد التطبيق مع الأخذ بالنظر وضع مصلحة العراق ووحدة شعبه ومسستقبله فوق جميع الاعتبارات السياسية والانتخابية كأولوية قبل اتخاذ القرار.
ختاماً ومايؤيد تحليلي المتواضع هو الموقف المشرف الذي اتخذته الحكومة المحلية في قضاء طوزخورماتو برفض هذا القرار جملة وتفصيلاً وطالبوا الحكومة المركزية بالغاء القرار واجراء استفتاء جماهيري حول هذا القرار وترك الأمر للجماهير الشعبية لتقول كلمتها وأنا على يقين بأن قرار الشعب سيكون عادلاً ولصالح العراق العظيم ووحدة شعبه. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة